“أنا نصيرة الأطفال المهمشين في مجتمعنا”
الطبيبة الفلسطينية، جمانة عودة، كرست حياتها لخدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تأسيس “مركز الطفل السعيد” لتنال جائزة نوبل للطفولة تكريما لجهودها في تغيير حياة هؤلاء الأطفال ورسم البسمة على شفاههم. مهند حامد التقى الطبيبة وأجرى معها هذا الحوار.
ما الذي ميِّز الطبيبة الفلسطينية جمانة عودة حتى استحقت جائزة نوبل للأطفال؟
جمانة عودة: عندما أحاول الإجابة عن هذا السؤال يتراود في ذهني مقولة أصحاب الجائزة “امرأة لم تعمل للأنا ولم تعمل لحسابها الشخصي وإنما عملت من أجل أطفال فلسطين وأطفال العالم”. لقد اخترت العمل طبيبة أطفال لأنها مهنة إنسانيه بالدرجة الأولى ومليئة بالصعاب والمعاناة . أشكر الأطفال لأنهم جعلوا لحياتي معنى ودلالة. ولعل سبب الاختيار أيضا يعود إلى العمل في ظروف صعبة وقاهرة في ظل الاحتلال مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ هؤلاء المميزين في نظرنا المهمشين في مجتمعنا. لقد أردنا أن يعيش أطفالنا في سعادة وصحة سليمة بالرغم من التحديات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تحيط بهم.
ما الفكرة التي تقوم عليها هذه الجائزة؟
عودة: الفكرة تقوم على اختيار أشخاص مميزين غيروا في نمط حياة الأطفال في بلدهم أو في العالم. ومؤسس هذه الجائزة هو هيري ليبوت وهو بالأساس طفل لجأ إلى أمريكا، ثم اضطر أن يعمل وهو عمره 12 عاما ـ ليصبح بعد ذلك من أكبر أغنياء كاليفورنيا. لقد بدأت الفكرة قبل 11 عاما عندما أصيب بمرض السرطان وكان يرى مآسي أطفال العالم من خلال التلفاز، ففكر أن يمنح جائزة للأشخاص الذين يغيرون في حياة الأطفال، لتسمى الجائزة بعد خمسة سنوات بجائزة “نوبل للطفولة”. لقد رشحت إلى هذه الجائزة من قبل المؤسسة الدولية “World in Children”.
أنت أول طبيبة عربية تحصل على هذه الجائزة، فماذا تمثل هذه الجائزة لك وللمرأة العربية والفلسطينية على حد سواء؟
عودة: عندما بلغت بالفوز بالجائزة من اللحظة الأولى شعرت أنها جائزة ليس لي شخصيا، بل لكل امرأة وأنا سعيدة لأنني منحت بلدي هذه الجائزة الإنسانية لكي نقول للعالم إن المرأة الفلسطينية تستطيع أن تعمل وأن تساهم في بناء الحياة الإنسانية والطفولة السعيدة وأتمنى أن أستطيع أن أقدم أكثر لأطفالنا، فهم يستحقون أكثر مما منحناهم.
أنت مديرة لمركز “الطفل السعيد”، فما الفلسفة التي يقوم عليها المركز والأهداف التي يسعى إلى تحقيقيها؟
عودة: الفلسفة الأساسية التي يقوم عليها المركز “الطفل السعيد” هي العناية بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من منطلق الدفاع عن حقوقهم وتأمين الرعاية الصحية التي تليق بهم. وكذلك تأمين حقوقهم في التعليم وتطوير قدراتهم على الاندماج في المجتمع. كما يقدم المركز خدماته مجانا، حيث يعتبر هذا المركز الأول من نوعه في فلسطين والذي أسس سنة 1994 في القدس. كما يهدف إلى توفير الوقاية من خلال الكشف المبكر للإعاقة وكذلك توفير الإرشاد النفسي والأسري لذوي هؤلاء الأطفال. ولعل من حسن الحظ أنه بعد هذه الجائزة سلطت الأضواء على هذه المؤسسة التي ظلت على مدى 14 عاما تعمل في الظل ولم يكتب عنها في الجرائد (وبدون ما حد يسمع فينا ) .
ينظر إلى الإعاقة الجسدية والنفسية في المجتمعات العربية على أنها من المحرمات والتابوهات، كيف تتعاطون مع هذه الإشكالية؟
عودة: انطلقنا في تحد كبير لأن الإعاقة في مجتمعنا العربي ينظر لها نظرة دونية سلبية، إذ ينظر للأطفال الذين يعانون من إعاقة جسديه أو عقلية أو نفسية نظرة شفقه أو استياء وخصوصا من قبل الأهالي الذين كثيرا ما يعتبرون الإعاقة على أنها عقوبة إلهية، حيث يبدأ الأهل في التساؤل عن سبب هذا العقاب ونحن اجتهدنا لتقديم أجوبه منطقية لتساعدهم على تخطي هذه المرحلة. نعم هذا الأمر من أهم التحديات التي تواجهنا، غير أننا مع الوقت أخذنا نلحظ أن هناك تغييرا في نظرة المجتمع بشكل عام وخاصة نحو هؤلاء الأطفال وأهاليهم.
في ضوء هذه “العقوبة الإلهية” كما ينظر إليها، كيف تنظرين إلى واقع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين؟
عودة: الوضع محزن بشكل كبير، حيث لم تحصل هذه الشريحة من الأطفال على حقوقها. فالأكثر حزنا وألما يتمثل في طريقة تعامل المجتمع، بالإضافة إلى عدم توفر الخدمات العامة الموائمة لاحتياجاتهم ، فجميع الأماكن العامة من أسواق ومراكز ترفيهية ومراكز صحية مخصصه للأطفال العادين ولا يوجد لهم أماكن مخصصه بهم حتى يستطيعوا التنقل بسهولة والحركة. كذلك لا توجد مؤسسات ومراكز كافيه لتعنى بهؤلاء الأطفال التي تبلغ نسبتهم في المجتمع الفلسطيني نحو 2.3 وهي نسبة مرتفعه. كما لا تتوفر لهؤلاء الخدمات في المدارس. لقد استطعنا العام الماضي أن نؤهل 44 طفلا من ذوي الإعاقة البسيطة والمتوسطة للالتحاق بالمدارس العادية ودربنا الأهالي والمدارس والمربين على كيفية التعامل مع هؤلاء الطلبة ولكن ما يزال المشوار طويلا.
ما هي الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في المجتمع الفلسطيني؟
عودة: لا نستطيع أن نتحدث عن انتهاكات الأطفال بمعزل عن الوضع السياسي للمجتمع الفلسطيني، من حيث الإغلاقات والحواجز العسكرية التي تحد من القدرة على التنقل والوصول إلى مراكز الرعاية والتأهيل. كما أن هناك انتهاكات أخرى في البيت والمدرسة والمجتمع ككل. فمثلا في المدارس الحكومية، هناك تمييز كبير ضد هؤلاء الأطفال وأنا مستاءة من هذا التمييز وأنا اسمع كثيرا عن سياسة استيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة لكنها في الواقع حبر على ورق، حيث يوجد عدد قليل من الأطفال الذين التحقوا في مدارس عاديه إلا إذا كانت مدارس خاصة وهي مكلفه لا يستطيع الأهالي تحمل تكاليفها. ومن ناحية أخرى يتعامل المدرسون مع هؤلاء الأطفال بطريقة سلبية وكذلك المناهج لا توجد بها رسائل واضحة بطريقة تحترمهم وتناسبهم . فأنا لا أتحدث هنا عن نظرة الشفقة “يا حرام” أنا ضد هذه النظرة. أنا مع أن يكون لدى هذا الطفل حقوقه وكرامته وإحساسه الذي يجب أن تراعيه.
هل من مبادرات وبرامج عمل مشتركة مع جمعيات أوروبية؟
عودة: المشاريع مع مؤسسات أوروبية موجودة ونحن نرحب بأي جهة مانحة أو ممول فهو صديق ورفيق للعمل معنا وإن كنا نلمس أن بعض المؤسسات الأوروبية تساعدنا من فوق. فالمفروض أن يكون التعاون مبنيا على أساس التفاهم المشترك وتبادل الخبرات. فمن مظاهر هذا التعاون وعلى إثر هذه الجائزة أصبحنا عضوا في مؤسسة “World in Children” ونكمل معهم في نشر الرسالة التي بدأناها هنا في فلسطين لتمتد التجربة إلى دبي وقطر والمغرب.
أجرى الحوار مهند حامد
حقوق الطبع: قنطرة 2009